السؤال:
شيخ محمد، هذه رسالة وردتنا من التاجر صالح بن عابد من الرياض، بعثها لكم شخصياً، وقد اختصرتها اختصاراً شديداً، يقول: المكرم الشيخ محمد بن العثيمين حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، تعلمون يا شيخ أن الغرب والشرق استهدفنا بما نراه شراً وبما نعتقد أنه خير ولا ندري، لذلك نجد أنهم أخذوا يقذفون في محيطنا كل إنتاجهم من وسائل نقل وترفيه وتدفئة وتبريد وملابس وأكل إلى آخره مما لا أستطيع عده الآن حتى إنني وجدت فرشة أسنان تعمل على البطارية يجعلها الإنسان على أسنانه وتتحرك حركة سريعة فتنظف الأسنان من غير جهد ولو قليل، ولدي أسئلة: أولاً ما قصد أصحاب هذه المخترعات؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد؛ فإن قول الأخ السائل أن الشرق والغرب قد استهدفونا فإن هذا حق؛ فإننا نرى أن الشرق والغرب كليهما ليس على دين الإسلام، وكل من كان على غير دين الإسلام فإنه عدو للإسلام، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾. وهم يستهدفوننا لغرض القضاء على ديننا أولاً قبل كل شيء، ثم لإضعاف قوتنا المادية والخلقية حتى يسيطروا على عقولنا وأفكارنا وأموالنا وبلادنا، وهذا شيء معلوم بالتتبع من أزمنة قديمة. وأما ما أغرقونا به من مواد الترفيه والتنعم فإن هذا بلا شك من نعمة الله تبارك وتعالى على العبد أن سخر له من يعملون له ما يكون فيه الرخاء والهناء والمساعدة على الأمور الشاقة، ولا ريب أن هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى، فإذا استعمل الإنسان هذه النعم على وجه مباح وفي الحدود الشرعية من غير إسراف ولا مغالاة واستعان بها على طاعة ربه كان في ذلك خير له في دينه ودنياه، وإن جاوز الحدود فيها وأترف أو استعان بها على معصية الله كانت شراً عليه وعاقبها وخيمة.
وأما ما يهدف هؤلاء من إغراقنا بمثل هذه الأمور التي ذكرها السائل في كتابه فإن في اعتقادي أنهم لا يريدون بذلك إلا أمراً مادياً فقط وهو جباية المال والحصول عليه، وأنهم لا يقصدون بذلك أمراً دينياً أو أمراً سياسياً فيما يبدو لهم؛ وذلك لأننا نراهم يتسابقون إلينا؛ يتسابق إلينا مندوبو الشركات من كل وجه لأجل أن يروجوا سلعهم بقطع النظر عن كون هذه السلعة لهذا الغرض أو لهذا الغرض، مما يدل على أن قصدهم شيء مالي فقط، والله أعلم بالضمائر.
السؤال: أيضاً يقول: ما موقف المسلم من هذه النعم؟
الشيخ: موقف المسلم من هذه النعم هو ما أشرنا إليه قبل قليل؛ أن نستعين بها على طاعة الله، وأن نشكر الله سبحانه وتعالى على تسخيره وتيسيره، وألا نتجاوز بها الحد في الإسراف بالتنعم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثرة الإرفاه؛ لأن كثرة الإرفاه توجب انشغال النفس بالاهتمام بتنعيم البدن دون القيام بما خُلق له العبد من عبادة الله سبحانه وتعالى.
السؤال: هذا ما أشرتم إليه أيضاً هو وضع له سؤالاً؛ لأنه يقول: هل ينبغي للمسلم أن يترفه ويرتاح ويتنعم بهذا القدر؟
الشيخ: نعم، يجوز للمسلم أن يتنعم ويترفه ويرتاح بالشرطين اللذين سبقا؛ وهما ألا يتجاوز الحد في هذا التنعم والإرفاه، وألا يستعين به على معصية الله سبحانه وتعالى أو الغفلة عن طاعته.
السؤال: سؤاله الرابع يقول: ما خطر هذا الترفيه على مستقبل المسلمين؟
الشيخ: خطر هذا الترفيه ولا سيما إذا تجاوز الحد -في رأيي- أنه شديد، وذلك أنه إذا انقطعت أسبابه فستكون النتيجة رد فعل عظيماً بالغاً؛ لأن الناس اعتادوا على هذا الترفه وهذا التنعم، فإذا فقد منهم -نسأل الله السلامة- يحصل عليهم بذلك مشقة شديدة؛ لأن من اعتاد على شيء ثم فقده صار له أثر بالغ في نفسه بخلاف من لم يعتده من قبل.
وزوال هذا الترفه والتنعم ليس ببعيد إذا استعان الناس بهذا على معصية الله تعالى والغفلة عن طاعته؛ لأن الله يقول: ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾ ويقول سبحانه وتعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون﴾. فهذه النعم إذا شكرها العبد واستعان بها على طاعة الله سبحانه وتعالى وعرف بها نعمة ربه وآلاءه ورحمته ازدادت بوعد الله سبحانه وتعالى، وإن كفرها فإنها تنتزع منه وتنتزع بركتها كما ذكرنا لما يدل عليه من الآيتين السابقتين، بل الآيات الثلاثة. وعلى هذا فإنه يُخشى إذا زالت هذه النعم بعد الانغماس في الترف والتنعم بها أن يكون لها أثر بالغ في المشقة والنكد والحزن والأسى، نسأل الله السلامة.
النشرة البريدية
عند اشتراكك في نشرتنا البريدية سيصلك كل جديد يتم طرحه من خلال موقع وقناة إستبرق الإسلامية